الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق العمل: تحولات جذرية بحلول 2025
من الأفاتارات الذكية إلى الاقتصاد المؤقت: مستقبل الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي
تحولات سوق العمل
يتوقع الخبراء أن يشهد سوق العمل تغييرات جذرية بفعل الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025. حيث قد تتقلص أعداد الوظائف التقليدية بدوام كامل، في مقابل ازدهار أتمتة الوظائف وزيادة الإقبال على العمل الحر .
في هذا السياق، أشار الكاتب براين روبنسون، في مقاله المنشور على “فوربس”، إلى تزايد المخاوف بشأن تأثير هذه التقنية على سوق العمل، لكنه أوضح أن قادة الأعمال باتوا ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتعزيز الكفاءة بدلاً من كونه تهديدًا بالبطالة.
ويقتبس المقال عن غاي غاردنر، مدير العمليات في شركة Redrob، الذي يرى أن الذكاء الاصطناعي سيعزز القوى العاملة على نطاق عالمي، مشيرًا إلى دور “الأفاتارات الذكية” في دعم الموظفين بمختلف المهام اليومية. هذه “الأفاتارات”، التي تحاكي التفاعل البشري وتتكيف مع المستخدمين، تعد خطوة ثورية لتحسين الإنتاجية.
الثقافة المؤسسية: عامل حاسم
يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي ليشمل جوانب أعمق من التكنولوجيا، حيث يحدث تغييرات جوهرية في الثقافة المؤسسية وطريقة تفكير الأفراد داخل بيئات العمل. ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة SHL آندي برادشو، على ضرورة أن تهيئ الشركات بيئة محفزة على الفضول والتعلم المستمر، ويشير إلى أن تقبل الموظفين للذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تطوير المهارات التقنية فقط، بل يستلزم تحولاً جذريًا في طريقة التفاعل معها.
في حديثه مع “فوربس”، أوضح برادشو أن الشركات التي تطمح إلى تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي ينبغي أن تتجاوز فكرة الاستيعاب التكنولوجي التقليدي، وأن تعتمده كأداة تعزز إمكانيات البشر. ويضيف أن “على القادة تحويل مشاعر الخوف من هذه التكنولوجيا إلى محفز للابتكار”.
وشدد الرئيس التنفيذي لشركة SHL على أن نجاح الشركات في اعتماد التقنيات الجديدة يعتمد على قدرتها على بناء ثقافة تنظيمية تستوعب هذه التقنية، مما يتيح للموظفين استكشاف إمكانياتها في إطار آمن ومدروس، وأكد أن النجاح “يتطلب تحقيق توازن بين التجربة على نطاق صغير وتأسيس ثقافة مؤسسية شاملة ومستدامة تدعم الابتكار”.
العمل الحر: الاقتصاد المؤقت في صعود
يتوقع كاتب المقال، الباحث براين روبنسون أن يكون للذكاء الاصطناعي دور كبير في تسريع نمو الاقتصاد المؤقت (Gig Economy)، حيث ستتجه الشركات بشكل متزايد إلى توظيف العمالة الحرة والمشاركة في مشاريع قصيرة الأمد بدلاً من الالتزام بتوظيف دائم. أما غاي غاردنر فيرى أن هذا الاتجاه سيتطلب تطوير قوانين عمل جديدة لضمان حماية حقوق العاملين المؤقتين، خاصة مع انتشار نماذج العمل عن بُعد.
ويشدد غاردنر على أهمية معالجة التحديات القانونية المرتبطة بهذه التغيرات، مثل تقديم الضمانات الاجتماعية للعاملين في الاقتصاد المؤقت، وتحقيق التوازن بين المرونة التي تقدمها هذه النماذج للشركات وحماية الحقوق الأساسية للعمال. ويرى أن هذه التطورات ستدفع الحكومات إلى تبني لوائح جديدة تدعم التوظيف المؤقت، مع تعزيز ممارسات عمل عادلة ومستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي في التوظيف: حقبة جديدة
في مجال التوظيف، يُتوقع أن تلعب الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في إعادة تشكيل عملية استقطاب المواهب، حيث تقدم تقييمات دقيقة ومخصصة تستجيب لاحتياجات كل مرشح على حدة. وتشير كبيرة العلماء في شركة SHL سارة غوتيريز، إلى أن هذه الأدوات لا تقتصر على تحسين الكفاءة، بل تضيف بُعدًا أكثر إنسانية إلى تجربة التوظيف. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم ملاحظات شخصية للمرشحين، مما يجعلهم يشعرون بتفاعل أكبر مع العملية ويزيد من مستوى رضاهم.
من جهة أخرى، يوضح الرئيس التنفيذي لشركة Redrob فيليكس كيم، أن المقابلات الرقمية المهيكلة ستصبح معيارًا أساسيًا في التوظيف بحلول عام 2025، ويرى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل ديناميكيات التواصل ومعدل التفاعل أثناء المقابلات يمكن أن يعزز تجربة التوظيف لكل من الشركات والمرشحين. وستساعد هذه التحليلات الشركات على اتخاذ قرارات أكثر استنارة، بينما تمنح المرشحين تجربة أكثر شفافية وإنصافًا.
ومع تطور هذه الأدوات، يتضح أن الذكاء الاصطناعي لا يهدف فقط إلى أتمتة الوظائف والعمليات، بل يسعى أيضًا إلى تحسين جودة التفاعل بين الشركات والمرشحين، مما يعزز من قيمة التجربة ككل.
الحاجة إلى تنظيم شامل
مع التوسع المتسارع في استخدام الذكاء الاصطناعي، تتزايد دعوات الخبراء لوضع أطر تنظيمية تهدف إلى ضمان استخدام هذه التقنية بشكل آمن وأخلاقي. ويشدد المستشار في شركة SHL ماريس بيستر، على أهمية تطوير أنظمة شفافة تضمن حماية خصوصية المستخدمين والحفاظ على نزاهة العمليات التي تعتمد عليه.
ويؤكد بيستر أن هذه الأطر يجب أن تتضمن آليات واضحة لرصد ومراقبة استخدامه، خاصة في المجالات الحساسة مثل التوظيف واتخاذ القرارات الحاسمة، ويرى أن التنظيم الجيد لا يقتصر على حماية الأفراد فحسب، بل يسهم أيضًا في بناء الثقة بين الشركات والجمهور، مما يعزز الاستخدام المسؤول والفعال لهذه التكنولوجيا المتقدمة.
كيف تستعد الشركات؟
مع اقتراب عام 2025، تواجه الشركات تحديات كبيرة تتطلب الاستعداد للتحولات المتوقعة في سوق العمل والتوجه نحو أتمتة الوظائف. لكن لتحقيق ذلك، ينبغي عليها -بحسب المقال- اتخاذ خطوات استراتيجية شاملة تشمل:
- تبني ثقافة مؤسسية داعمة:
تحتاج الشركات إلى بناء بيئة تركز على التعلم المستمر والتكيف مع التغيرات، مع تعزيز قيم الابتكار واستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لدعم الموظفين وتحسين الإنتاجية. - اعتماد تقنيات مبتكرة في التوظيف:
يتعين على الشركات دمج الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف، مثل التقييمات الرقمية والمقابلات المهيكلة، لتعزيز الكفاءة واختيار المواهب الأنسب بطريقة أكثر شفافية وفعالية. - تطبيق تنظيمات صارمة:
يجب أن تلتزم الشركات بوضع سياسات داخلية تحافظ على أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، مع الالتزام بالقوانين الجديدة التي قد تتعلق بحماية حقوق العاملين المؤقتين وضمان خصوصية البيانات أثناء تبنيها لأتمتة الوظائف. - التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد:
من الضروري أن تستثمر الشركات في تطوير مهارات موظفيها للتكيف مع التطورات التقنية، مع تعزيز قدرتها على مواكبة التغيرات السريعة في احتياجات السوق.
ومن خلال استعدادها بهذه الطريقة، تستطيع الشركات تحويل التحديات إلى فرص مبتكرة، مما يمكنها من تعزيز كفاءتها التشغيلية وزيادة قدرتها التنافسية لتظل في طليعة النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي.