الذكاء الاصطناعي في التضليل: كيف تُستخدم التكنولوجيا في الحروب الإعلامية؟
دراسة تأثير عملية التقويض على الرأي العام العالمي
الذكاء الاصطناعي في التضليل: قصة عملية التقويض الروسية
في عصر تتزايد فيه قدرة التكنولوجيا على تغيير ملامح الواقع، يُظهر الذكاء الاصطناعي في التضليل وجهًا آخر أكثر غموضًا وخطورة.
تخيل أنك تصادف فيديو على الإنترنت يبدو واقعيًا إلى حد لا يصدق، يتحدث بصوت بشري مألوف وبنبرة مقنعة عن قضايا سياسية حساسة. ثم تكتشف لاحقًا أن هذا الفيديو لم يصنعه صحفيون أو خبراء، بل هو نتاج خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة.
هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل واقع تعكسه عملية “التقويض” التي أطلقتها وكالة التصميم الاجتماعي الروسية (SDA)، كجزء من حملة تضليل دعائي تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي.
كيف ظهرت “عملية التقويض”؟
بحسب تقرير نشرته مجموعة Insikt Group، بدأت عملية في ديسمبر 2023، بهدف واضح يتمثل في إضعاف الدعم الغربي لأوكرانيا وتعميق الانقسامات السياسية داخل الدول المستهدفة.
وعلى عكس العمليات التقليدية، تميزت هذه الحملة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التضليل لإنتاج محتوى يبدو حقيقيًا ومقنعًا.
وركزت هذه الحملة على إنتاج فيديوهات دعائية بلغات متعددة، مستهدفة جماهير متنوعة عبر الإنترنت. وتم استخدام برامج متطورة مثل ElevenLabs لتوليد أصوات قريبة من الأصوات البشرية، مما ساعد في تعزيز مصداقية المحتوى المقدم.
الذكاء الاصطناعي كأداة تضليل
استندت عملية “التقويض” إلى تسخير التقنيات المتطورة في جوانب متعددة. فمن خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي، تم إنتاج مقاطع فيديو دعائية ذات جودة عالية. ولم تكتفِ هذه الفيديوهات فقط بتقديم رسائل دعائية، بل تمتعت بلمسة واقعية جعلتها قادرة على خداع المشاهدين.
بالإضافة إلى ذلك، لعب الذكاء الاصطناعي في التضليل دورًا في تحليل المحتوى الإعلامي الغربي وتوجيهه بما يخدم السردية الروسية. ومن خلال عملية دقيقة تُعرف بـ”التقطيع” أو Cherry-Picking، تم تقديم “الحقائق المجتزأة” بصورة تخدم السردية الروسية.
أهداف الحملة وخطورتها
استهدفت الحملة في المقام الأول تشويه صورة القيادة الأوكرانية. فعلى سبيل المثال، تم إنتاج فيديوهات تزعم أن مسؤولين أوكرانيين استخدموا أموال الدعم الغربي لشراء عقارات فاخرة في أوروبا.
علاوة على ذلك، ركزت الحملة -بحسب التقرير- على إثارة الشكوك باستخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل لإضعاف الدعم الغربي لأوكرانيا.
ولكن الحملة لم تتوقف عند هذا الحد. بل وسّعت نطاق استهدافها ليشمل قضايا أكثر حساسية، مثل العدوان الإسرائيلي على غزة.
ومن خلال إنتاج محتوى يستغل هذه القضايا، سعت الحملة إلى تعزيز الانقسامات بين الحلفاء الغربيين وشركائهم.
السرديات المضللة: أدوات وتكتيكات
اعتمدت الحملة على أسلوب سردي متقن قائم على الذكاء الاصطناعي في التضليل، حيث تم استخدام شعارات ومقالات منشورة في وسائل إعلام غربية مثل The New York Times وLe Monde. لكن بدلاً من تقديم المعلومات بشكلها الأصلي، تم تعديل السياق لتخدم السرديات المضللة.
كما استُخدمت “هاشتاغات” شائعة على منصات التواصل الاجتماعي، مما ساعد على إيصال المحتوى لجماهير محددة.
التأثيرات المترتبة على التضليل
ترى دراسات ان هذه الحملة أثرت بشكل كبير على العلاقات السياسية بين الدول الغربية. فمن جهة، ساعدت على تعميق الانقسامات بين الحلفاء، حيث دفعت بعض الدول الأوروبية إلى التساؤل عن جدوى استمرار الدعم لأوكرانيا.
ومن جهة أخرى ألحقت الحملة أضرارًا جسيمة بمصداقية الإعلام الغربي، حيث تم استغلال شعاراته ومحتواه لخداع الجمهور.
وفي الوقت نفسه، استهدفت الحملة دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، مما أدى إلى تعزيز خطابها المناهض للاتحاد الأوروبي، وساهمت الحملة في زيادة التوترات داخل التكتل الأوروبي من خلال مهاجمة قادة الاتحاد الأوروبي واتهامهم بالتحيز.
المواجهة الممكنة
بحسب تقرير Insikt Group، يتطلب التصدي لحملات التضليل المعززة بالذكاء الاصطناعي جهودًا مشتركة بين الحكومات والمؤسسات التقنية والإعلامية.
ويوصي بتطوير أدوات متقدمة لكشف المحتوى المزيف ومراقبة العلامات التجارية التي تستهدفها هذه الحملات.
في النهاية، يشير التقرير إلى أن التعامل مع هذه التحديات يتطلب تنظيمًا دقيقًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي إلى جانب وعي أوسع بالمخاطر التي يمكن أن تسببها إساءة استخدام هذه التكنولوجيا.