كيف تغيّر صور الذكاء الاصطناعي نتائج الانتخابات؟
كيف يستخدم الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية للتضليل والتأثير على الثقة بالحقائق
المقال مترجم بتصرف لHuo Jingnan بموقع NPR.ORG
صورة مأساوية أم خدعة بصرية؟
بعد انتشار صور الدمار الذي خلفه إعصار “هيلين” على الإنترنت، ظهرت أيضًا صورة لطفل يبكي محتضنًا جروًا على متن قارب. هذه الصورة، التي بدت مؤلمة ومعبرة عن المأساة، حصلت عند نشرها على منصة “X” على ملايين المشاهدات. لكن سرعان ما أثارت التساؤلات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الدعاية السياسية، حيث أصبحت هذه الصور المزيفة أداة للتأثير في الرأي العام واستغلال المشاعر لتحقيق أهداف سياسية.
أثارت هذه الصورة ردود فعل عاطفية من العديد من المستخدمين، بما في ذلك العديد من الجمهوريين الذين كانوا يتوقون إلى انتقاد استجابة إدارة بايدن لهذه الكارثة. لكن سرعان ما أشار آخرون إلى علامات واضحة تدل على أن الصورة قد تكون ناتجة عن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل الأطراف المشوهة والضبابية التي تظهر عادةً في بعض “مولدات الصور”.
الذكاء الاصطناعي في قلب الانتخابات
وفي غمرة الحملة الانتخابية، انتشرت الصور المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، غالبًا بعد أحداث سياسية مثيرة للجدل.
ويرى مراقبون للمنصات الرقمية والانتخابات أن هذه الصور تُستخدم كوسيلة لنشر روايات حزبية، حيث تصبح الحقائق في كثير من الأحيان أمرًا ثانويًا.
بعد أن أضاف مستخدمو “X” ملاحظة مجتمعية تشير إلى أن صورة الطفل على القارب قد تم إنتاجها على الأرجح باستخدام الذكاء الاصطناعي، قام بعض الذين شاركوا الصورة، مثل السيناتور مايك لي (جمهوري – يوتا)، بحذف منشوراتهم عنها، وفقًا لمجلة رولينغ ستون.
ومع ذلك، ورغم كشف الأصل الاصطناعي للصورة، أصر آخرون على موقفهم. مثل، عضوة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري من ولاية جورجيا إيمي كريمر في منشور على “X”: “لا أعلم من أين أتت هذه الصورة، وبصراحة، الأمر لا يهم”.
تقول رينيه دي ريستا، أستاذة في كلية مكورت للسياسات العامة بجامعة جورجتاون، التي ألفت مؤخرًا كتابًا عن المؤثرين عبر الإنترنت: “إنها شكل من أشكال الدعاية السياسية، وطريقة للإعلان عن الاهتمام والدعم لمرشح معين، تشبه إلى حد ما أسلوب معجبي المشاهير”. وأضافت: “يمكن للحملات السياسية بعد ذلك أن تتبنى هذه الصور، تعيد نشرها، وتعزز انتشارها، مما يجعلها تبدو وكأنها جزء من المحادثة وربما حتى جزء من المزحة نفسها”.
قطط ترامب
انتشرت صور أخرى يُرجح أنها منتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، تُظهر حيوانات على أسطح بالكاد تعلو مياه الفيضانات، بعد إعصاري “هيلين” و”ميلتون”. وبعد أن ردد الرئيس السابق دونالد ترامب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس مزاعم لا أساس لها حول مهاجرين هايتيين في سبرينغفيلد بولاية أوهايو يتناولون الحيوانات الأليفة والحيوانات البرية، غمرت منصات “X” وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة لدى الجمهوريين صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لترامب وهو يحتضن قططًا وبطًّا.
تقول دي ريستا إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُعد أداة إضافية يستخدمها المؤيدون للتفاعل مع حملاتهم عبر الإنترنت: “إنه رخيص، سهل، ومسلٍ، فلماذا لا يُستخدم؟”.
الحقيقة أم المعطيات: أيهما يعكس الواقع في الصور؟
في المنشور ذاته الذي دافعت فيه عن قرارها إبقاء الصورة الاصطناعية، كتبت كريمر: “هذه الصورة ترمز إلى الصدمة والمعاناة التي يعيشها الناس”.
يقول ماثيو بارنيدج، أستاذ مختص في دراسة الصحافة الرقمية والتواصل السياسي بجامعة ألاباما، إن الفصل بين الحقائق وفكرة “الحقيقة الأعمق” له جذوره في الفلسفة الغربية. وأضاف: “عند العودة إلى أعمال كانط، وكيركغارد، وهيغل، نجد هذه الفكرة القائلة بوجود نوع من الحقيقة الأعمق التي غالبًا ما ترتبط بمفاهيم مثل الحرية أو السمو، أو مفاهيم مشابهة”.
التحقق من الحقائق
تشير الأبحاث إلى أنه عندما تتزايد عمليات التحقق من الحقائق ضد السياسيين، يمكن أن يؤثر ذلك على مشاعر الناخبين تجاههم. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن عمليات التحقق من الحقائق أثرت على كيفية شعور الأستراليين تجاه سياسييهم. لكن دراسة أخرى بيّنت أن عمليات التحقق من الحقائق المتعلقة بدونالد ترامب لم تغيّر آراء الأمريكيين عنه، رغم أنها غيّرت معتقداتهم بشأن الحقائق الفردية.
تقول إميلي فراغا، الباحثة في مجال التواصل الصحي بجامعة مينيسوتا، إن التحقق من الصور يمكن أن يكون أكثر تعقيدًا من التحقق من النصوص. وأوضحت: “هناك العديد من الدراسات التي تظهر أن الناس يجدون صعوبة كبيرة في التمييز بين الحقيقي والزائف عندما يتعلق الأمر بالصور عبر الإنترنت”. وأضافت فراغا: “كان هذا صحيحًا حتى قبل ظهور ChatGPT”.
الصور العاطفية وتأثيرها على الإدراك: كيف تشكل المشاعر فهمنا؟
يمكن للصور المثيرة أن تستفز المشاعر قبل أن يتسنى للناس الوقت الكافي لمعالجة ما يشاهدونه. وقد درس فريق من الباحثين منشورات على منصة “بينترست” تصور إبر اللقاحات، بما في ذلك صورة مضللة تُظهر إبرة ضخمة بشكل مبالغ فيه وسائلًا ملونًا زاهيًا.
تقول إميلي فراغا: “الإبرة في الواقع أصغر بكثير – وهذا التصحيح ليس مقنعًا بشكل كبير”. وتضيف: “هذا جزء من سردية أكبر تفيد بأن اللقاحات غير طبيعية وخطيرة”.
كيف تربك صور الذكاء الاصطناعي الإدراك؟
يمكن للصور المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، التي تبدو فائقة الواقعية وأحيانًا غريبة، أن تعيش في منطقة رمادية بين الحقيقة والخيال بالنسبة للمشاهدين. فعلى الرغم من أن صورة فوتوريةالية للمغنية تايلور سويفت وهي تعلن دعمها لدونالد ترامب لم تكن لسويفت عند التدقيق، إلا أن التشابه الكبير أثر في الأشخاص الذين رأوها، وفقًا لمؤرخ الفن آرا ميرجيان من جامعة نيويورك. في رأيه: “لم يكن الأمر سيثير فضيحة لو أن أحدهم رسم صورة كاريكاتيرية لتايلور سويفت تعلن فيها دعمها لترامب”.
وأشارت سويفت إلى الصور التي أنتجها الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة المرتبطة بها كأحد الأسباب التي دفعتها إلى تأييد نائبة الرئيس كامالا هاريس لرئاسة الولايات المتحدة.
المحتوى الرديء ينتصر
ساهمت الصور المُنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي في ملء الفراغ الذي تركته وسائل الإعلام التقليدية مع تقلص صناعة الأخبار وتراجع اهتمام منصات التكنولوجيا بالأخبار. يقول ماثيو بارنيدج: “من الذي يتحرك لملء هذا الفراغ؟ المروجون للدعاية”. وأضاف: “الدعاية غالبًا لا تقدم نفسها كأخبار، بل تتسرب بطرق أخرى عبر محتوى أسلوب الحياة”.
الصور المستوحاة سياسيًا تشكل جزءًا بسيطًا فقط من الصور المُنتجة بالذكاء الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي. فقد رصد الباحثون صورًا لأشياء متنوعة، مثل كعكات ومطابخ.. قادت بعض هذه الصور إلى مواقع تسعى لجذب حركة المرور، فيما حاولت مواقع أخرى استغلال المستخدمين للحصول على معلوماتهم الشخصية وأموالهم.
“مزارع محتوى” لتحقيق الأرباح
كشف تحقيق أجرته 404 Media أن أشخاصًا في دول نامية يقومون بتعليم آخرين كيفية إنشاء منشورات رائجة باستخدام صور مُنتَجة بالذكاء الاصطناعي، بهدف الحصول على أموال من فيسبوك مقابل المحتوى الشهير. يمكن أن تتجاوز هذه العائدات الدخل الشهري النموذجي في تلك المناطق.
وقد أثارت العديد من الصور التي تنتجها هذه “المزارع” مشاعر قوية، وأحيانًا مشاعر وطنية. بينما بدت بعض الصور واقعية للغاية، حملت أخرى طابعًا فنيًا أكثر.
الذكاء الاصطناعي في الدعاية السياسية والانتخابات
إحدى الصور المُنتَجة بالذكاء الاصطناعي الأكثر إثارة للجدل في السياق السياسي تم الترويج لها من قبل مالك منصة “X”، إيلون ماسك. تُظهر الصورة شخصية تشبه كامالا هاريس ترتدي زيًا أحمر مع شارة المطرقة والمنجل على قبعتها.
إيدي بيريز، وهو موظف سابق في “تويتر” ويعمل حاليًا في معهد OSET غير الحزبي لتعزيز الثقة في الانتخابات، أوضح أن الصورة تهدف إلى تصوير هاريس على أنها “غير أمريكية”. وأضاف: “الرسالة الضمنية هي أنه لا توجد طريقة شرعية يمكن بها لهاريس وحزبها الفوز في الانتخابات الرئاسية”.
وأشار بيريز إلى أن مثل هذه الصور تؤجج الاستقطاب السياسي، مما قد يقوض ثقة الناس في نتائج الانتخابات. ولعدة أشهر، ردد الجمهوريون مزاعم تفيد بأن الديمقراطيين من المحتمل أن يسرقوا الانتخابات من ترامب بطرق احتيالية متعددة.
وقال بيريز: “هناك العديد من الطرق والأساليب التي يجري بها تنفيذ هذه الاستراتيجية، والذكاء الاصطناعي التوليدي ليس سوى أداة واحدة من بين عدة أدوات. هل أعتقد أنه أسوأ من غيره من الأدوات؟ لا. لكن هل هذا يعني أنه غير ضار؟ بالطبع لا”.