هندسة الأوامر: المهنة الأسرع نموًا في عالم الذكاء الاصطناعي
كيف تبني مهاراتك في هندسة الأوامر
مقدمة
هل تخيلت يومًا محادثة مع مساعد افتراضي يمكنه تلبية احتياجاتك بدقة؟ لنقل إنك تطلب وصفة للطعام من الذكاء الاصطناعي، فتكتب: “أريد شيئًا لذيذًا للعشاء”.. ستحصل بالتأكيد على استجابة، لكنها ستكون عامة وفضفاضة، بينما لو قدمت طلبًا أكثر تفصيلًا مثل: “أريد وجبة باستخدام الدجاج والبطاطس”، ستكون النتيجة أدق وأكثر توافقًا مع رغبتك.
هذا المثال يعكس جوهر هندسة الأوامر (أو ما يعرف أيضا بهندسة التلقين، أو الهندسة الفورية)، حيث تتطلب صياغة الطلبات بوضوح لتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو استجابة أفضل.
ما هي هندسة الأوامر؟
تُعرف هندسة الأوامر (Prompt engineering) بأنها عملية صياغة أوامر دقيقة وفعّالة تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنتاج مخرجات تتوافق مع احتياجات المستخدمين.
وتعتمد هذه الأنظمة التي تم تطويرها لتحليل وفهم الاستفسارات المقدمة إليها على جودة الأوامر لتوليد نتائج دقيقة ومخصصة، فكلما كانت الأوامر واضحة ومحكمة، زادت فعالية النموذج في توليد استجابات مفيدة وذات صلة.
ويلعب مهندسو الأوامر دورًا حاسمًا في صياغة استفسارات لا تعكس المعنى فقط، بل أيضًا تنقل النية وراء الطلب، لأن الأمر الجيد والشامل يسهم في تحسين جودة المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي، سواء كان ذلك على هيئة نصوص أو صور أو شفرات برمجية أو ملخصات بيانات.
وبفضل هذا التوجيه الدقيق، يُمكن للمستخدمين الاستفادة من المخرجات دون الحاجة إلى مراجعة كثيفة أو تعديل كبير بعد الإنتاج.
اقرأ أيضا: كيف تكتب أفضل الأوامر ل ChatGPT: دليلك الشامل في 2025
كيف تعمل هندسة الأوامر؟
تستند نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى بنى تعتمد على تقنيات معمارية حديثة، مثل الشبكات العصبية، مما يمكّنها من استيعاب تعقيدات اللغة وفهم السياقات الواسعة.
وتأتي هنا أهمية هندسة الأوامر، حيث تسمح للمستخدمين بتوجيه النموذج ليقدم استجابات منطقية ومتناسقة تتماشى مع متطلبات السياق.
وتتعدد الأساليب المستخدمة لتوجيه النماذج بشكل فعّال، مثل تقسيم الرموز، وضبط المعايير الخاصة بالنموذج، وتقنيات اختيار العينات.
ومع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي القائمة على معالجة اللغة الطبيعية، أصبحت هندسة الأوامر أداة أساسية لضمان تقديم مخرجات ذات جودة عالية.
ومن بين الأمثلة على ذلك، استخدام نماذج توليد الصور من النصوص مثل DALL-E وMidjourney، حيث يستعينان بنموذج لغوي كبير مع تقنية الانتشار الثابت لإنتاج صور تستجيب للوصف النصي بدقة.
أنواع هندسة الأوامر
فيما يلي بعض الأنواع الأساسية لهندسة الأوامر التي يُرجّح استخدامها عند التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي:
•أوامر إكمال النص: تساعد النماذج اللغوية على إكمال الجمل، مثل “الولد لم يأتِ إلى المدرسة لأن…”.
•أوامر قائمة على التعليمات: تقدم تعليمات مباشرة للنماذج لتوليد استجابات محددة.
•أوامر متعددة الخيارات: توفر للنموذج عدة استجابات محتملة، ويقوم النموذج باختيار الأنسب وفقًا للسياق.
•أوامر سياقية: تتيح للنموذج تلميحات تراكمية تؤثر على اتخاذ القرار، مما يساعد في توجيه استجاباته في اتجاه معين.
•أوامر لتخفيف التحيز: تُستخدم للتحقق من التحيزات في الردود وتتيح للمستخدمين ضبط المخرجات عند الحاجة.
•أوامر التخصيص والتفاعل: تسمح للمستخدمين بضبط الاستجابات لتحسين النتائج، وتدريب النماذج على تقديم ردود أكثر دقة مع كل تكرار للعملية.
فوائد هندسة الأوامر
تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لهندسة الأوامر في تحقيق مخرجات ذات جودة عالية بجهد ضئيل في المراجعة والتعديل بعد الإنتاج. كما أن مهندس الأوامر الجيد يتمتع بقدرة على فهم كيفية استخراج أفضل النتائج من النماذج التوليدية المتاحة في السوق.
فعلى سبيل المثال، يتطلب كتابة الأوامر الخاصة بنماذج مثل GPT-3 أو GPT-4 من OpenAI توجّهاً مختلفاً عن كتابة الأوامر ل Gimini، حيث يعتمد الأخير على محرك بحث جوجل.
لكن في المقابل يُعرف ChatGPT بقدرته على استيعاب وتلخيص النصوص، وهو ما يجعله مثالياً لتلك المهمة، وبهذا تساعد الأوامر المتقنة الذكاء الاصطناعي على تقديم إجابات أكثر دقة وتلاؤمًا مع متطلبات المستخدم.
ومع توسع النماذج المفتوحة المصدر، يبدع المهندسون في استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تتجاوز إمكانياته الأصلية، ليحققوا نتائج حقيقية مدهشة.
وكلما اتسعت آفاق الذكاء الاصطناعي، تزداد أهمية هندسة الأوامر لضمان استخدام فعال وإبداعي لهذه التقنيات المتقدمة.
ما المهارات التي يحتاجها مهندس الأوامر؟
أصبحت الشركات التقنية الكبرى توظف مهندسي الأوامر للمساعدة في تطوير المحتوى الإبداعي، والإجابة عن الأسئلة المعقدة، وتحسين مهام الترجمة الآلية ومعالجة اللغة الطبيعية.
وتتنوع المهارات المطلوبة في هذا المجال، مثل الإلمام بالنماذج اللغوية الكبيرة، والقدرة على شرح المفاهيم التقنية بوضوح، والخبرة في البرمجة، وخاصة في لغة بايثون، إلى جانب فهم هياكل البيانات والخوارزميات.
كما يحتاج مهندس الأوامر إلى القدرة على التعامل بمرونة مع المفردات والتعبيرات السياقية، حيث يمكن أن يؤثر كل لفظ في الأوامر على نتيجة الذكاء الاصطناعي. أما إذا كان الهدف هو توليد شفرات برمجية، فيجب أن يتمتع المهندس بفهم للمبادئ البرمجية واللغات الخاصة بها.
وبالنسبة لمن يعملون مع مولدات الصور، فإن معرفة بمبادئ الفن والتصوير تساعدهم على تحقيق مخرجات بصرية بجودة عالية. أما عند إنشاء محتوى لغوي، فإن الإلمام بالأنماط السردية أو النظريات الأدبية قد يكون مفيدًا.
استخدامات هندسة الأوامر
مع تزايد سهولة الوصول إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، تكتشف المؤسسات طرقًا مبتكرة لاستعمال هندسة الأوامر لحل المشكلات الواقعية.
•المحادثات التفاعلية: تساعد هندسة الأوامر في تصميم روبوتات دردشة تقدم إجابات ذات صلة وسياق مناسب في الوقت الفعلي. حيث يمكن للمطورين ضمان استيعاب الذكاء الاصطناعي لأسئلة المستخدمين وتقديم ردود ذات معنى من خلال صياغة الأوامر بفعالية.
•الرعاية الصحية: تُستخدم هندسة الأوامر في تقديم ملخصات للبيانات الطبية واقتراح خطط علاجية. حيث تساعد الأوامر الفعّالة نماذج الذكاء الاصطناعي في معالجة بيانات المرضى وتقديم رؤى وتوصيات دقيقة.
•تطوير البرمجيات: يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا في تقديم اقتراحات برمجية وحلول للتحديات البرمجية. حيث تساهم هندسة الأوامر في توفير الوقت وتقديم دعم للمطورين في إتمام مهام البرمجة.
كيفية إعداد الأوامر في الذكاء الاصطناعي التوليدي
من خلال هذا الدليل السريع، ستتعرف على الخطوات الأساسية لإعداد الأوامر بفعالية في الذكاء الاصطناعي التوليدي:
1. وضّح استفسارك بأقصى درجة ممكنة من الوضوح
بما أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعتمد على التعلم العميق المُدرب على بيانات من إنتاج البشر والآلات، فهو يفتقر للقدرة على تفسير نواياك تلقائياً. ما تضعه كأمر هو بالضبط ما ستحصل عليه. لذا، عند إدخال استفسار، من الأفضل أن يكون بلغة واضحة ومحددة، ويشمل السياق المطلوب.
فعلى سبيل المثال، بدلاً من كتابة أمر عام مثل: “اكتب مخططاً يتضمن عنواناً وخطوات تالية”، يمكنك تحسينه بقولك: “اكتب مخططاً مقترحاً لأطروحة بحث أكاديمي يشمل أقسام العنوان والملخص والخطوات التالية”.
2. جرّب للحصول على أفضل الممارسات
لكل نوع من المخرجات، سواء كان ملخصاً أو مقترح بحث أو نقاطاً رئيسية في السيرة الذاتية، ستحتاج لتجربة عدة صيغ مختلفة للأمر نفسه. بهذه الطريقة، يمكنك تحديد ما إذا كان عليك تضمين توجيهات معينة مثل “بلغة رسمية”.
وإذا كنت بحاجة إلى إضافة أسلوب، فهل يجب عليك استخدام “بلغة مهنية” أم “بلغة رسمية”؟ بالإضافة إلى ذلك، جرب تعديل مدخلاتك من خلال إضافة أمثلة للمخرجات المطلوبة، لتوضيح النموذج الذي ترغب في الحصول عليه.
3. تابع بأوامر إضافية أو استفسارات
بعد الوصول إلى الصيغة والشكل المناسبين للمخرجات، قد ترغب في تحديد عدد الكلمات أو الحروف المطلوبة. أو قد تحتاج لإنتاج نسختين منفصلتين من المخطط، إحداهما لأغراض داخلية.
ويمكن للذكاء الاصطناعي تنفيذ هذه التعديلات بناءً على المخرجات السابقة. استمر في “هندسة” الأوامر حتى تحصل على النتائج المرغوبة.
4. استمتع بتجربة تقنيات تهيئة مختلفة للأوامر
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال تقنية جديدة ومتطورة، إلا أن الباحثين قد طوروا بالفعل استراتيجيات فعّالة لتهيئة الأوامر. إليك بعض هذه التقنيات:
• التوجيه بدون أمثلة (Zero-shot prompting): تعد هذه الطريقة من أبسط أساليب إعداد الأوامر، حيث يقدم للموديل تعليمات مباشرة دون معلومات إضافية. هذه الطريقة مناسبة للمهام البسيطة.
•التوجيه مع أمثلة قليلة (Few-shot prompting): تتضمن هذه الطريقة تزويد الموديل ببعض الأمثلة لتوجيه مخرجاته. وتعتبر أكثر ملاءمة للمهام المعقدة مقارنة بالطريقة الأولى.
•التوجيه بتسلسل الأفكار (Chain-of-thought prompting): تساعد هذه الطريقة على تحسين دقة المخرجات من خلال تقسيم الاستنتاجات المعقدة إلى خطوات وسيطة، مما يسهل على النموذج الوصول إلى نتائج دقيقة.
•ربط الأوامر (Prompt chaining): يتم فيها تقسيم المهام المعقدة إلى مهام فرعية بسيطة، ثم يتم استخدام مخرجات الذكاء الاصطناعي لإكمال المهمة الكبيرة. وتساعد هذه الطريقة على تحسين الدقة والاتساق في المهام الأكثر تعقيداً.
هذه بعض التقنيات التي يمكنك تجربتها أثناء استكشافك لهندسة الأوامر. وغالباً ما يكون النهج الأمثل هو الجمع بين عدة أساليب لتحقيق النتائج المرجوة.
مستقبل هندسة الأوامر
مع التطور السريع في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يُتوقع أن تشهد هندسة الأوامر مزيدًا من التحسينات. ويتوقع أن تتطور الأوامر في المستقبل لتصبح أكثر تكاملاً، بحيث تمكّن المستخدمين من الجمع بين النصوص والشيفرات البرمجية والصور في أمر واحد، مما سيفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات المتقدمة.
كما أن المهندسين والباحثين يعملون حالياً على تطوير أوامر متكيفة، بحيث تكون الأوامر قادرة على التعديل والتكيف تلقائيًا وفقاً للسياق. ومع زيادة الاهتمام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تشمل الأوامر مستقبلاً توجيهات تضمن العدالة والشفافية في المخرجات.
وظيفة مهندس الأوامر وآفاق التوظيف
تبدو مهنة مهندس الأوامر واعدة، حيث يُسجل حالياً أكثر من 3,788 فرصة عمل شاغرة على منصة Indeed، وتُقدر الرواتب لهذا التخصص في الولايات المتحدة بما يصل إلى 200 ألف دولار و300 ألف بحسب بعض المصادر.
وتحتاج هذه الوظيفة إلى مجموعة من المهارات الأساسية، مثل فهم أساسيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، والإلمام بمكتبات وأطر الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى إتقان لغة البرمجة بايثون، والعمل على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى جانب المساهمة في مشاريع المصادر المفتوحة.
وفي حين أن الخلفية التعليمية المطلوبة غالبًا ما تكون في علوم الحاسوب أو المجالات التقنية ذات الصلة، إلا أن بعض مهندسي الأوامر الناجحين يأتون من مجالات غير تقنية، مثل الكتابة أو التحرير، واكتسبوا خبراتهم عبر التعلم الذاتي والتجربة المباشرة مع الذكاء الاصطناعي.
الأسئلة الشائعة حول هندسة الأوامر
1. ما هي هندسة الأوامر؟
•هندسة الأوامر هي عملية صياغة أوامر واضحة ودقيقة تساعد نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج مخرجات تتناسب مع احتياجات المستخدمين.
2. لماذا تعتبر هندسة الأوامر مهمة؟
•لأن صياغة أوامر دقيقة تتيح لنماذج الذكاء الاصطناعي توليد نتائج أكثر دقة وتوافقًا مع متطلبات المستخدم، مما يقلل من الحاجة إلى مراجعة المخرجات وتعديلها.
3. كيف تعمل هندسة الأوامر؟
•تعتمد على استخدام تقنيات حديثة مثل الشبكات العصبية، وتتيح للمستخدم توجيه النموذج بوضوح من خلال تقنيات مثل تقسيم الرموز وتحديد معايير النموذج.
4. ما هي أنواع الأوامر المستخدمة؟
•تشمل الأوامر إكمال النص، الأوامر القائمة على التعليمات، الأوامر متعددة الخيارات، الأوامر السياقية، وأوامر تخفيف الانحياز وغيرها.
5. ما هي فوائد هندسة الأوامر؟
•تساهم في تحقيق مخرجات عالية الجودة بجهد أقل، كما تعزز من قدرة الذكاء الاصطناعي على تلبية الاحتياجات المتخصصة للمستخدمين.
6. ما المهارات التي يحتاجها مهندس الأوامر؟
•يحتاج مهندس الأوامر إلى معرفة بالنماذج اللغوية الكبيرة، خبرة في البرمجة (خاصة Python)، وفهم هياكل البيانات، إضافة إلى مرونة في التعامل مع السياقات المختلفة.
7. ما هي التطبيقات العملية لهندسة الأوامر؟
•تستخدم هندسة الأوامر في تصميم روبوتات الدردشة، تقديم ملخصات البيانات الطبية، وتطوير البرمجيات بشكل سريع وفعّال.
8. كيف أبدأ في صياغة الأوامر؟
•يمكنك البدء بتحديد استفسارك بوضوح وتجربة صيغ مختلفة للأمر حتى تصل إلى الصيغة الأكثر توافقًا مع مخرجات النموذج المطلوبة.
9.ما مستقبل هندسة الأوامر؟
•يُتوقع أن تتطور الأوامر لتكون أكثر تكاملاً، مما يسمح بدمج النصوص، الشيفرات البرمجية، والصور في أوامر متقدمة تدعم المزيد من التطبيقات الذكية.